.๑. My SMS .๑.
"و لتبدأ مغامرة الحياة . . "

2.5.09

المكان بالمكين





"المكان بالمكين" قالها والدي مسترجعًا ما قالته العرب يومًا، و قد صدقت في قولها هذا، فالأمكنة لا قيمة لها دون وجود من يعمّـرها و يسكنها، فالساكن هو من يجعل لها رائحة خاصة، متعلقة بذكريات عاشها هو مع الآخرين في تلكَ البقعة.


بدأت ألاحظ نفسي، أن كل مكان أعيش فيه لفترة، يسكنني و أسكنه، يغدو لي كوطن صغير بمساحته و لكن كبير بأبعاده في قلبي، و بالأخص أعني هنـا تلكَ المدارس التي كنتُ فيها، كل واحدة لها مجموعة ذكريات، و أحدثها لها نصيب الأسد.

في الطفولة المبكرة، لا زالت مشاهد اكتشاف بقع جديدة خلف مباني المدرسة مغامرة جديدة نعيشها بين فينة و أخرى، تزيدها خوفًا مملوءا بالفضول إحدى الطالبات التي تختلق حكاية جنيٍّ يسكن هنا، وكنا نصدق تلك الأقاويل أكثر باكتشاف بقايا عظام و كيس أسود، فنهرب و في دواخلنا صمت يريد أن يبوح بالكثير فقط لنستشعر الطمأنينة.


و كبرنا و تغيّر المكان، فبعد أن كانت الباحة الخلفية سببا للهرب و الخوف، أصبح في مكان آخر محملا بألوان شجر التوت ما بين خضرة أوراقه و حمرة ثماره اللذيذة التي كنا نستمتع بقطفها و غسلها فأكلها، تلكَ الباحة المحملة بأسرار وردية لفتيات أصبحن في عمر المراهقة، محملة بأحاديث كانت تبدو لنا جديدة و شيّقة لنستكشف عالما آخر.


و كبرنا أكثر.. و كبر معنا الوفاء للبقعة الجديدة، فأصبح كل ما فيها مخزنًا للذاكرة.. حتى رائحة الصباحات الباكرة المفعمة بالهمة و أحيانا بالتثاؤب، لازالت عالقة. أصبحت هي الأثيرة بجدران فصولها، ساحتها، ممراتها، سلالمها، بل و حتى الأرواح التي تسكنها، فلولاهم لما أصبحت مفضلة هذه البقعة و مكسوّة برائحة الحياة.


بعد سنين و شهور .. حينما تتغير بعض الوجوه و تتبدل، يصبح للمكان طعم آخر غريب قد لا نستسيغه أحيانًا؛ ذلك أن المكان كان أثيرًا بوجود من عرفناهم فيها.. بتفاعلهم مع كل شيء فيها ... حتى الجمادات، باستنشاقهم هواء المكان الذي عُطِّر بأنفاسهم، بل حتى بضحكاتهم التي توارت بخجل خلف أعمدة الممرات، بأسرار لياليهم التي يصعب فهمها بهمساتهم الخافتة، بجديتهم الصارمة التي لا زالت تجلجل الزوايا في بعض الأذهان، بابتساماتهم الموزّعة فرحًا و قبلاتهم المُرسَلة نشوةً، بحبهم الذي عمّـر المكان، فتلوّن الصمت برائحة وردية جعلت الخدود تحمرّ حياء و خجلا، بأصواتهم و عباراتهم التي حفظنا بعضها كي لا يغيب عن سماء الأصوات في عالمنا الجميل. فجأة تجد نفسكَ بعيـدًا عن كل ذلك. و مثلما رحلتَ أنت عن المكان، يرحلون هم أيضًا؛ لأن كل منا يفتح جناحيه محلقًا بعد مدة ليرحل و يطير إلى عوالم و أمكنة أخرى قد تكون أوسع و أكثر ملاءمة لمرحلة عمرية مختلفة.

"المكان بالمكين" .. و إلا لما وقف عنترة على ديار عبلة طالبًا منها أن تتحدث إليه بعد رحيل حبيبته، و لما بكى طرفة بن العبد على أطلال خولة لتذكره بماضي الأيام الحلوة. ما أصبحت تلكَ الأماكن أثيرة و مفضلة و عزيزة لدى هذين الشاعرين إلا بوجود الحبيبتان سابقًا، أيْ روحان جعلا للبقعة التي عاشوا فيها مدة روحًا ينبض.

هناك 4 تعليقات:

حُلُم ~ يقول...

"وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار" ~

هم من يجعلون الأماكن تنبض بالحياة ،
وبرحيلنا، ورحيلهم ..
تتوشح الأمكنة بلون باهت , سوى من رائحة أثيرة تنعش الذكرى في الحنايا ..!

وعندما نعود مرةً أخرى - لوحدنا -
يكتنفنا شعورٌ بالغربة لديار طالما احتوتنا !

فهذا المكان ، لم يعد لنا !

" هذا ما سيحدث قريبًا , مرة أخرى "

/
\

خزآمى ~
طالما "أيقظتِ" ذكرياتٍ نائمة ~
دمتِ بود عزيزتي =)

نادية~ يقول...

وثارت بكلماتك شجون منهكة..!

آاااه للمدرسة..!
كم هي ملهمة!
كم هي رائعة!
وأناسها..

صدقت..
يكون للمكان طعم آخر لا نستسيغه بعدما تتغير الوجوه فيه..

حلم أثارت شيئا كان نائما في داخلي..
" هذا ما سيحدث قريبًا , مرة أخرى "
لا أدري بأي قلب سأحتمل حدوثه مرة أخرى!!

أسأل الله لنا تجربة ممتعه وسعيدة فيما تبقى لنا من الوقت "هناك"..
وأن يربط على قلوبنا بالصبر والسلوان "بعدها"..

دمتِ متأملة ؛)

cute.lavender يقول...

حلم | نادية


نعم .. تتكرر الحكاية ذاتها
لكن ببقعة أخرى.. طقوس مختلفة.. وربما بنكهة جديدة لم نذقها سابقًا ..

.
.

ستبقى الأمكنة قريبة، أثيرة.. وكذا ساكنوها.

دمتن بخيـر =)

Unknown يقول...

اقبل ذوالجدار وذي الجدارا